العودة إلى الحياة الوظيفية: دعم المرأة وتمكينها من التقدم عند عودتها إلى العمل بعد الانقطاع الوظيفي
العودة إلى الحياة الوظيفية: دعم المرأة وتمكينها من التقدم عند عودتها إلى العمل بعد الانقطاع الوظيفي
مؤلف:

مؤلف: دانه عبود, مديرة برنامج – برنامج أفضل الممارسات في مكافحة الفساد و برنامج التنوع الوظيفي في القيادات العليا بالشركات

في 27 مارس 2023، عقدت مبادرة بيرل اجتماعاً “لمجموعة عمل التنوع في القيادة “، شارك فيه طيفٌ من المؤسسات منها مجموعة شلهوب، ودانة غاز، وشركة شِل، والهلال للمشاريع، وإينوك، برايس ووترهاوس كوبرز، ومارش، وسابِك، هدف إلى إيجاد حلول للتحديات التي تواجهها المرأة عند عودتها إلى العمل بعد انقطاع وظيفي لفترة معينة، وأكّد على أهمية تنفيذ برامج إرشادية ومبادرات توجيهية تسهل عودتها بسلاسة ونجاح إلى قوى العمل. ورغم التقدم الملحوظ المحرز في مجال المساواة بين الجنسين، أبرز الاجتماع الحاجة المستمرة إلى اتخاذ إجراءات استباقية لدعم هذا التوجه ودفعه إلى الأمام في المنطقة.

في ظل التنافسية الشديدة التي تسود محيط عالم الأعمال المعاصر، من بالغ الأهمية للشركات توفير بيئة عمل شمولية وداعمة تمكّن المرأة من استئناف حياتها الوظيفية بعد انقطاعها عنها، ليس فقط من منطلق المسؤولية الاجتماعية، بل ولأنها بذلك تقدم لنفسها ميزة تنافسية قوية. فقد أثبتت الأبحاث أن المنظمات ذات فرق العمل المتنوعة والشمولية تكون أكثر قدرة على تحقيق مستوى أعلى من الإنتاجية والأداء المالي مقارنة بنظيراتها. على سبيل المثال، يُبيِّن تقرير ماكنزي آند كومباني بعنوان التنوع سرّ النجاح “Diversity Wins” حسب تحليله لأكثر من 1000 شركة في أكثر من 15 بلد، أن شركات الربع الأعلى من حيث تنوع الموظفين التنفيذيين، كانت أكثر قدرة على تحقيق أرباح تزيد عن المتوسط بنسبة 25%. كما تفيد دراسات أخرى، كالبحث الذي أجرته البروفيسورة كلوديا غولدن والبروفيسور لورنس ف. كاتس ضمن بحثهما  تأثير العائلة على الوظيفة “The Career Cost of Family”، أن الأمومة ميزة فريدة تأثيرها إيجابي على إنتاجية المرأة، تزيد من فعاليتها وكفاءتها نتيجة لاكتساب الأم لقدرة عالية على إدارة الوقت وترتيب الأولويات بفعالية. تبرز هذه الأبحاث قيمة الأمهات في فرق العمل وتؤكد أن دعم المرأة لدى عودتها إلى سوق العمل من بعد انقطاع من شأنه أن يحسن الأداء في المنظمات والمؤسسات ويرفع من مستوى الابتكار والإبداع فيها.

ومن هذا المنطلق، ألقى النقاش الضوءَ على العقبات والتحديات المختلفة التي تقف أمام المرأة عند استئنافها لحياتها الوظيفية وعودتها إلى قوى العمل، من أبرزها عدم توفر مصادر إرشاد لهؤلاء النساء من نساء مثلهن مررن بذات التجارب يقدمن لهن التوجيه والدعم اللذين يناسبان أوضاعهن الخاصة المشتركة. وأوضح النقاش أيضاً أن الفجوات الوظيفية تؤدي إلى تغيير في المهارات والمعارف التي تمتلكها المرأة، ما يصعب عليها استعادة الثقة بقدراتها وإمكانياتها عند عودتها إلى العمل ومواكبتها للتطورات والمستجدات في قطاع عملها.

ومن القضايا الحرجة المطروحة التي ظلت تُثار خلال النقاش هو التباين الواضح في الرواتب والأجور وفرص التقدم الذي تواجهه المرأة عند عودتها للعمل بعد انقطاع، إذ غالباً ما تكون فرص التقدم والتطور التي تقدم للمرأة أقل مما يقدم للزملاء الذكور، وانقطاعها عن العمل لمدة معينة يفاقم هذا التباين والتمييز.

واتفق المشاركون على تفشي مشكلة التحيزات الغير واعية والأفكار والتصرفات النمطية القائمة على التمييز بين الجنسين في مكان العمل التي تقيد الموظفات وتحد من فرص النمو المتاحة أمامهن وتزيد من أنواع مختلفة من  التمييز. من المهم جداً وضع حد لهذه التحيزات واحتضان التنوع في بيئة العمل لتتمكن الشركات من خلق بيئة عمل شمولية تُقدِّر المساهمات التي تقدمها المرأة لمكان العمل بعد عودتها عقب فترة انقطاعها عنها. فإن اجتمعت هذه العقبات، وقفت عائقاً منيعاً في وجه المرأة وعرقلت قدرتها على التقدم في حياتها الوظيفية، لذلك من بالغ الأهمية اتخاذ إجراءات استباقية فعالة ومبادرات داعمة تضمن تجاوزها لهذه الصعوبات.

اقترح أعضاء مجموعة العمل استناداً إلى خبراتهم وتجاربهم المشتركة، تغييرات مهمة تستطيع المنظمات تطبيقها للتعامل مع هذه التحديات بصورة شاملة. وكان من بين الحلول المطروحة لدعم الموظفين وتحديداً النساء العائدات من بعد انقطاع وظيفي تعزيز مرونة البيئة المؤسسية بتحسين السياسات المؤسسية، مثل إتاحة إمكانية العمل عن بعد  وساعات عمل مرنة وتبادل المهام. وأبرز المناقشون أيضاً أهمية تمكين المرأة من التقدم في مسيرتها الوظيفية بعد انقطاعها عنها بتنمية ثقافة مؤسسية تقدر المهارات والإمكانيات والمقومات التي تتمتع بها، وتضمن وضع جميع الفرص الممكنة للنمو في متناولها وعدم اتخاذ أمومتها وفجوتها الوظيفية عذراً للتمييز ضدها في مكان العمل.

وتضمنت الحلول أيضاً تأسيس برامج وشبكات دعم وإرشاد لرفع مستوى الوعي للموظفات العائدات إلى مكان العمل بعد انقطاعهن عنه. وبذلك تسهل المنظمات رجوع النساء واندماجهن بسلاسة في عملهن وتوفر التوجيه والموارد الداعمة التي تمكنهن من استئناف نشاطهن الوظيفي بسلاسة ونجاح.

ومما اقترحه المشاركون لتقديم المزيد من العون للموظفات وتسهيل عودتهن إلى العمل وتقدمهن الوظيفي، تقديم جلسات تمهيدية مثل التي تقدم للموظفين الجدد إذ أنها قد تساعد هؤلاء الموظفات على استذكار المهارات الوظيفية والمهنية التي انقطعن عنها وإعادة صقلها، وتعرفهن بأبرز التوجهات السائدة في تخصصاتهن وتضمن عودتهن إلى مجال عملهن وفي أيديهن ما يحتجنه من المهارات والإمكانيات لاستئناف أدوارهن ومهامهن بكفاءة. وأكد النقاش أيضاً أهمية تطبيق تشريعات وقوانين على المستوى الوطني تحمي حقوق الموظفات في أثناء انقطاعهن الوظيفي من جهة ولدى انتهائهن منه ورجوعهن إلى عملهن عقبه أيضاً، وتضمن تكافؤ الفرص المقدمة لجميع الموظفين.

وبتطبيق هذه الاقتراحات، تستطيع المنظمات تأسيس بيئة شمولية وداعمة تمكن النساء من العودة إلى عملهن بعد انقطاعهن الوظيفي وتدعم نموهن وتقدمهن. وهذا الالتزام بتحقيق التنوع والعدالة والشمولية لن يساهم فقط بدعم المرأة، بل سيؤدي أيضاً إلى تحقيق تحسينات شاملة في الأداء والابتكار والإبداع على مستوى المنظمة بأكملها.

لقد أبرز اجتماع مجموعة عمل التنوع في القيادة التزاماً جماعياً استثنائياً بالتغيير، وحرصاً على توفير بيئة مؤسسية تقوم على أسس قويمة من التنوع والعدل والشمولية تدعم المرأة وتمكنها من النمو والتقدم في مسيرتها المهنية والوظيفية.

والجدير بالذكر تنفيذ دول منطقة الخليج لجملة من المبادرات المكرسة لدعم المرأة وتسهيل عودتها إلى العمل من بعد انقطاع، وتستهدف الأمهات العاملات أيضاً. نذكر منها برنامج علامة الجودة لبيئة عمل داعمة للوالدين في دولة الإمارات العربية المتحدة الهادف إلى تعريف الشركات التي تدعم بفعالية موظفيها من الآباء والأمهات لمساعدتهم على الموازنة بين مسؤولياتهم الوظيفية والمنزلية وخلق بيئة عمل تراعي الحياة العائلية ومسؤولياتها. ومن هذه المبادرات أيضاً برنامج وصول في المملكة العربية السعودية الذي يقدم المساعدات المالية لتغطية تكاليف النقل ورعاية الأطفال دعماً للنساء اللاتي انقطعن لفترة عن العمل وتسهيلاً لعودتهن إلى قوى العمل. تبرهن هذه المبادرات التزام دول منطقة الخليج بتلبية الاحتياجات والمسؤوليات التي تقع على عاتق الآباء والأمهات العاملين وتقديم الدعم المناسب لهم، وتؤكد اهتمامها ببناء ثقافة تحرص على توفير بيئة مؤسسية مواتية للمرأة وتقدر مساهماتها الوظيفية وتعزز كيانها المهني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سجل للحصول على اخر اخبارنا

سجل في نشرتنا بعنوان بريدك الإلكتروني حتى تكون أول من يعلم بآخر مستجدات موائدنا المستديرة ومنشوراتنا


    Sign up for our Newsletter

    Register your email with us and be the first to know about our latest roundtables and publication.