الحوكمة المؤسسية: خطوة كبيرة نحو بناء اقتصاد مستدام
الحوكمة المؤسسية: خطوة كبيرة نحو بناء اقتصاد مستدام
مؤلف: جمال فخرو

في مقالة هذا الأسبوع، يتحدث جمال فخرو، الشريك المدير في كيه بي أم جي في البحرين وقطر، ورئيس مجلس إدارة كيه بي أم جي الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وعضو مجلس إدارة مبادرة بيرل، عن دور الحوكمة المؤسسية في بناء الاقتصاديات المستدامة.

نُشرت المقالة الأصلية في جريدة جلف ديلي نيوز.

قطعت الدول في منطقة الخليج شوطاً كبيراً في النقاش حول الحوكمة المؤسسية على مدار السنوات القليلة الماضية. غير أنه يلزم رفع أصواتنا على الساحة العالمية حتى تكون الشركات التي تتخذ من منطقة الخليج مقراً لها قادرة على المنافسة ومؤهلة للعمل في عالمنا المعاصر.

وتتضح مدى الحاجة لإحداث تأثير أكبر في هذا المجال عند النظر إلى مؤشر الشركات الأكثر أخلاقية في العالم لعام 2016 والصادر مؤخراً عن معهد إثيسفير والذي يضم مؤسسات عالمية تعمل في مختلف القطاعات، إذ نلاحظ غياب الشركات المحلية في منطقة الخليج عن التصنيف.

وعلى أرض الواقع، تقوم الشركات المحلية في منطقة الخليج، والتي تمثل الشركات العائلية ما يزيد عن 80 في المائة منها، بإدارة مشاريع ناجحة تنمو عاماً بعد عام، وهو ما يبين أنها تمتاز ببنية سليمة. ومع ذلك، فإن هذا النجاح يواجه تحديات بسبب عدم وجود الحوكمة كجزء أصيل في عمليات الشركات.

وقد أصدرت مبادرة بيرل في عام 2013 تقريراً يفصّل ممارسات الحوكمة المؤسسية، بناءً على مقابلات شخصية مع أكثر من 100 قائد من قادة الشركات العائلية عبر منطقة الخليج. ومن المثير للدهشة أن 63 في المائة من المشاركين أكدوا أن شركاتهم تمتلك مدونة لأخلاقيات العمل، غير أن ثلث تلك المدونات فقط هي ما يتم تطبيقه. وعلاوة على ذلك، ذكر 45 في المائة أن شركاتهم لديها سياسات لمكافحة الفساد، لكن لا يقوم بتطبيق هذه السياسات سوى ثلث هذه النسبة. وذكر 30 في المائة فقط أن لديهم شكلاً من أشكال سياسات الإبلاغ عن المخالفات، لكن نسبة ضعيفة جداً من هذه السياسات تتمتع بالاستقلالية أو تحمي هوية المبلغ بصورة كافية.

ويشير هذا بدوره إلى مدى الحاجة لإعطاء دفعة قوية لتمكين أخلاقيات العمل والشفافية، ومن شأن هذا أن يساعد في القضاء على المحسوبية واتخاذ القرارات غير العادلة في بيئة الشركات العائلية، ويبني بدلاً من ذلك ثقافة قائمة على الجدارة والكفاءة مما يعزز النمو التجاري المستدام على المدى الطويل. وينطبق هذا على جميع مستويات العمل التجاري، مما يؤدي إلى تحقيق الفاعلية والمحاسبة على مستوى مجالس الإدارة والمدراء التنفيذيين في المستويات المتوسطة والثانوية.

ومع وجود عدد كبير من الشركات العاملة في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ستصبح الحوكمة المؤسسية عاملاً حاسماً في جذب الاستثمارات وخلق فرص العمل. كما ستساعد في إشراك المواطنين من الشباب والسيدات، الذين سيلعبون دوراً مركزياً في الدفع قدماً بالتنمية الاقتصادية.

كما تستطيع سياسات الحوكمة القوية أن تدعم تطوير شراكات جديدة، وأفكار جديدة، واستراتيجيات جديدة لإدارة العمل التجاري. وعندما يصبح الابتكار والمعرفة من المجالات ذات الأولوية لدى القطاعين الحكومي والخاص، يمكن للحوكمة الرشيدة أن تلعب دوراً مهماً في خلق بيئة متنوعة ومواتية.

وفي المقابل، يمكن أن يكون غياب ممارسات الحوكمة المؤسسية القوية بمثابة عائق أمام استمرار الأعمال. وهذا لأن الافتقار إلى الشفافية يتسبب في عدم الرضا وفي ارتفاع معدل دوران الموظفين، ناهيك عن انعدام الثقة بين الأطراف المعنية الخارجية. في حين أن وجود منظومة واضحة المعالم من الأخلاقيات والسياسات سيضمن عدم خضوع الشركة وأطرافها المعنية للتصورات المتباينة أو الغموض. وينبغي أن تحدد هذه السياسات تحديداً شاملاً إجراءات التدقيق وبروتوكولات الامتثال وأدوات الدعم وحقوق الموظفين أو الأطراف الثالثة إلى غير ذلك من الضروريات.

وفي بادرة إيجابية، تتخذ الحكومات الخليجية من جانبها خطوات نحو تطبيق إطار تنظيمي قوي لتسهيل الحوكمة المؤسسية على مستوى الشركات. وفي عام 2010، قامت البحرين بتحديث وإصدار مدونة جديدة للحوكمة المؤسسية تتألف من تسع قواعد، وتنطبق على الشركات العامة الخاصة بالمملكة. وتوضح هذه المدونة معايير الحد الأدنى وأفضل الممارسات الخاصة بالحوكمة المؤسسية، وجاء تطبيق هذه المدونة كإضافة للأحكام المنصوص عليها بالفعل في تشريعات دولة البحرين. وقد ساعدت هذه المدونة في إحداث تغيير شامل في أسس العمل التجاري، عن طريق تشجيع الاستثمار وزيادة الثقة لدى المستثمرين.

وسوف تستفيد دول مثل قطر والإمارات، اللتان تستعدان لاستقبال تدفق من السائحين قبل الفعاليات الكبرى وتعززان باستمرار سياساتهما لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، أيما إفادة من مثل هذا التحول الهيكلي. ولعل أهم مقتضيات اللحظة الراهنة هي وضع نهج “للرقابة غير المركزية” يدعم ريادة الأعمال والعمل التجاري المسؤول بطريقة ذات نظرة مستقبلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سجل للحصول على اخر اخبارنا

سجل في نشرتنا بعنوان بريدك الإلكتروني حتى تكون أول من يعلم بآخر مستجدات موائدنا المستديرة ومنشوراتنا


    Sign up for our Newsletter

    Register your email with us and be the first to know about our latest roundtables and publication.