الجدوى التجارية للمساءلة والشفافية
الجدوى التجارية للمساءلة والشفافية
مؤلف: إميلدا دنلوب

نهدف في مبادرة بيرل إلى توفير مصدر إلهام للحوار اللازم لبناء الأسس الأخلاقية للعمل التجاري في عالم العولمة. ونحن ندرك أن المساءلة والشفافية المؤسسية عنصران ضروريان إذا ما أردنا تحقيق القيمة وإعادة بناء بيئة عمل عالمية تمتاز بالسلامة والتنافسية ولذا فإن معظم عملنا يركز على تشجيع المؤسسات على تبني الحوكمة باعتبارها جزءاً من بنية نماذج أعمالها.

وقد شهدنا هنا في الشرق الأوسط تحولاً كبيراً في المواقف نحو تبني الحوكمة المؤسسية نتيجة لأزمة عام 2008. وبالحديث إلى الشركات الشريكة في المبادرة، وجدنا أن السبب الرئيسي لحدة الانكماش الاقتصادي كان وجود فجوة في الحوكمة المؤسسية وإدارة المخاطر. وتدرك معظم الشركات الآن أهمية تبني المعايير العالية للحوكمة المؤسسية وهي تلمس الآن الفوائد التجارية المتحققة من ذلك. وعلى سبيل المثال، فإن الحقيقة الدامغة على المستوى الكلي هي أنه إذا لم تتمتع بلد ما بسمعة جيدة في تطبيق ممارسات الحوكمة المؤسسية القوية فإن رأس المال سيتدفق إلى مكان آخر. وقد قام العملاء والجهات التنظيمية على مستوى العالم بزيادة مطالبة الشركات بالتحلي بالشفافية والمساءلة عن أفعالها والاستعانة بموردين بدلاء في حالة عدم الوفاء بمطالبهم.

وعلى المستوى الجزئي، يمكن قول الشيء نفسه؛ فإذا لم يكن المستثمرون واثقين من مستوى الإفصاح ومعايير إعداد التقارير فإن رأس المال سيتدفق كذلك إلى أماكن أخرى. وهكذا، فإن المعادلة البسيطة هي أنه لضمان الحصول على رأس مال للتطوير والاستثمار وتحقيق العائد – تُعد الشفافية في إعداد التقارير أداة قيمة لتوضيح حقائق الأمس فضلاً عن توقعات الغد.

وترى العديد من الشركات أن النهوض بالأخلاقيات يخلق القيمة إذ تكون الشركات قادرة على تغيير وجهة تركيزها نحو الاستراتيجية طويلة المدى واتخاذ قرارات أفضل وتحسين الكفاءة والفاعلية. وتُعد الحوكمة المؤسسية السليمة في الغالب شرطاً مسبقاً للتنافس في الأسواق العالمية وتصرح العديد من الشركات بأن تركيزها على بناء سمعة قائمة على الثقة والنزاهة يساعد على جذب أفضل الموظفين والمحافظة عليهم.

وترتبط قيمة أية شركة أو مؤسسة الآن بسمعة الأطراف المعنية بها أكثر بكثير من ارتباطها بمجرد منتجاتها أو خدماتها. وفي الوقت نفسه، توفير هذه السمعة مزايا تنافسية للشركات التي تلتزم بمعايير العمل العالية. وعلى النقيض، تتحمل الشركات المعرضة للزلات الأخلاقية الكبيرة تكاليف عالية سواءً لحل المشكلة بعد وقوعها وبسبب الأرباح الفائتة نتيجة لتضرر السمعة. وتتلخص هذه المسألة في النهاية في الإدارة الفعالة من جانب مجلس الإدارة ورغبته في تطبيق مبدأ المساءلة. وعادةً ما تكون المقاومة التي نواجهها في الشركات الراسخة التي ترى أنها “تبلي بلاءً حسناً”. ولكن ثمة مشكلتين رئيسيتين في هذا السلوك. الأولى، أن هذه الشركات لا تعي أهمية المخاطر المرتبطة بالسمعة لأنه حتى وإن كانت الشركة بحال جيدة فإنه يتعين عليها الحفاظ على هذه المكانة وأي وضع يؤثر على الشهرة أو السمعة سيهوي بها من مرتبة “البلاء الحسن” إلى الوقوع في المشكلات بسرعة كبيرة. الثانية، أن رفض تنفيذ إجراءات الحوكمة المؤسسية الأساسية مثل ممارسات المساءلة يعادل تجاهل التغييرات الحاصلة في البيئة التنظيمية المحيطة بالشركة. وهذه البيئة دائمة التطور وحتى تستطيع الشركة أن تستمر فيها وتزدهر، يتعين عليها أن تتغير وتتكيف على الأقل لأنها ستواجه قريباً غرامات وعقوبات لرفضها الالتزام بالشروط الجديدة.

يتمثل الغرض الأساسي من تطبيق مبدأ المساءلة في ضمان تحقيق الثقة في المستقبل وإدراك أننا لم نعد قادرين على التواري والاختباء. وتعد الشفافية بمثابة فرصة للشركات وليس تهديداً لها. ولذا يتعين علينا التعاون لتحديد ما يلزم أن يكون واضحاً ومعرفة كيف أن هذا الانفتاح يمكن أن يكون مفيداً في إشراك جميع الأطراف المعنية؛ الحالية والمحتملة على السواء. وتسعى معظم الشركات لبناء سمعتها على الثقة والنزاهة، لكن ما لم يكن ذلك مدعوماً بالعمل، فإنها تظل مجرد كلمات. ويُعد وضع وكتابة سياسة للحوكمة المؤسسية خطوة أولى قيمة وضرورية لكن التحدي الحقيقي يكمن في تطبيق هذه القواعد وفي دمج السياسة في الواقع العملي اليومي للأفراد في جميع أقسام وإدارات الشركة وحلقات سلسلة القيمة.

في بيئة عمل تشهد تزايداً في التنافسية ويسهل فيها الحصول على المعلومات أكثر من أي وقت مضى وتتوقع فيها الأطراف المعنية الكثير من الشركات، تكون الجدوى التجارية واضحة، إذ أن رفع مستوى النزاهة والمواءمة الأكثر شمولاً بين استراتيجيات العمل وأهدافه من شأنه الارتقاء بالأداء المؤسسي. وقيمة ما نناقشه الآن ليس مجرد كلمات على ورق بل هي فرصة لبناء الثقة في قطاع الشركات وفي العمل التجاري لإعادته إلى مكانة تجعل الجمهور يشعر بأن الانتماء لهذه الشركات يستحق القيمة التي تُدفع فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سجل للحصول على اخر اخبارنا

سجل في نشرتنا بعنوان بريدك الإلكتروني حتى تكون أول من يعلم بآخر مستجدات موائدنا المستديرة ومنشوراتنا


    Sign up for our Newsletter

    Register your email with us and be the first to know about our latest roundtables and publication.