الثقة الآن إحدى ضرورات الثقافة المؤسسية
احتلت الشفافية والمساءلة المؤسسية الصدارة على جدول أعمال دولة الإمارات العربية المتحدة خلال المنتدى الإقليمي المشترك لمبادرة بيرل والاتفاق العالمي للأمم المتحدة المنعقد في دبي خلال شهر أبريل تحت رعاية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي. وقد حضر المنتدى حوالي 600 شخص من قادة الأعمال الإقليميين والدوليين، وممثلين عن منظمات الأمم المتحدة والحكومات والمجتمع المدني والجامعات. ويعكس شعار المنتدى “قضايا المساءلة المؤسسية: نزاهة الأعمال وخلق القيمة لما بعد عام 2015” رؤية أن المساءلة المؤسسية والنزاهة هي الدافع الأساسي للنمو الاقتصادي التنافسي وخلق فرص العمل والتنمية الاجتماعية المستدامة في منطقة الخليج وخارجها.
وقبل التأكيد على الدور الذي يمكن أن تلعبه المساءلة المؤسسية في أية شركة، من المهم أن نفهم ما هو هذا الدور، إذ غالباً ما يتم الخلط بين المسؤولية الاجتماعية للشركات والمساءلة المؤسسية. وهما مفهومان مختلفان، رغم وجود رابط بينهما، إذ يشير مصطلح المسؤولية الاجتماعية للشركات إلى الممارسات التي تنخرط من خلالها الشركات في المبادرات التي تعود بالنفع على المجتمع، في حين يشير مصطلح المساءلة المؤسسية إلى التزام الشركة بالشفافية في طريقة إعدادها للحسابات ورفعها للتقارير وتحملها للمسؤولية عن أنشطتها، بما فيها الأداء البيئي والاجتماعي والمالي، والتي تمثل جميعها مؤشرات لاستدامة الشركة. وينطبق ذلك على جميع الشركات بغض النظر عن عمر الشركة أو حجمها.
وفي عالم التقنية الرقمية الذي نعيش فيه اليوم، صارت للشفافية أهمية بالغة لم تكن لها من قبل. ونحن نتجه الآن صوب عصر قائم على حوكمة المعلومات وتميزه الشفافية والمسؤولية وجاهزية المعلومات على مدار اليوم. ويزداد الآن إفصاح الشركات عن عملياتها التجارية وخططها لأن ذلك يخدم مصالحها. فما السر وراء ذلك؟ والإجابة ببساطة لأن المساءلة المؤسسية بطبيعتها أفضل وسيلة لخلق الثقة. وعلى خلاف سمعة الشركة التي تعتمد على مجموع الخبرات السابقة، تُعتبر الثقة مقياساً قائماً على الاحتكاك المباشر لتطلعات أصحاب المصلحة. ولذلك، يعتبر كسب ثقة أصحاب المصلحة ميزة لا تُقدر بثمن للشركات التي تسعي إلى تحقيق نجاح مستدام.
ولا شك أن الثقة من أهم الجوانب التي تقوم عليها أية علاقة، فهي شريان الحياة للعلاقات الإيجابية والمستدامة، والسبيل الرئيسي لكسب تأييد الأطراف الثالثة. وتكتسب مسألة بناء الثقة أهمية بالغة عند طرح أو تقديم منتجات وخدمات جديدة في السوق، ويتطلب خلق الثقة في الابتكارات التجارية الجديدة أن تقوم الشركات بتوضيح الفوائد الشخصية والاجتماعية لتلك الابتكارات والتصرف وفقاً لقيم النزاهة والأمانة والتعاون مع أصحاب المصالح والعملاء على طول الخط.
تمارس جميع الشركات أعمالاً تمس مصالح الناس، وتعتبر العلاقات التي نبنيها والثقة التي نكتسبها أهم العوامل التي يقوم عليها نجاحنا، وهذه حقيقة أصبحت معروفة لجميع الدول والشركات العاملة فيها. وقد تصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤشر إدلمان للثقة العالمي، إذ جاءت في المرتبة الأولى في تصنيف الثقة في الحكومة والاقتصاد لهذا العام.
ولكن مثل جميع المؤشرات التي تقيس العلاقات بين الأشخاص، فإن الثقة ميزة تجب رعايتها وتعزيزها فور اكتسابها.
وتأكيداً للإيمان الجازم لدى قيادة دبي بمبدأ الثقة، صرح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي رعاه الله في تعقيبه على هذا التصنيف: “لأجل الحفاظ على هذه الإنجازات، يجب علينا مضاعفة جهودنا وتسخير إمكانياتنا لتقديم أفضل خدمة للناس وأيضاً لتلبية توقعاتهم”.
ولا تقف أهمية دور الثقة عند هذا الحد، بل إنها تساعد الشركات كذلك على خلق القيمة واكتساب المرونة وتساعدها على النمو وخلق المزيد من فرص العمل وتحفيز النشاط الاقتصادي وتوفير فرص لرواد الأعمال. ومن خلال ذلك، يستطيع المتخصصون وأصحاب الأعمال الجدد اكتساب المهارات والوصول إلى أسواق قوية، مما يُحفز الاقتصاد ويحوله إلى بيئة تتسم بالنزاهة والشفافية تسهل فيها مزاولة الأعمال، وهو ما يخلق نواة للاستثمار الأجنبي. ويبدو جلياً أن الشركات التي تخضع للمساءلة والإدارة الجيدة هي اللبنات الأساسية لبناء اقتصاد ومجتمع مستدام.
وقد تم توثيق تأثير البطالة بين الشباب في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط توثيقاً جيداً. وحتى هنا في دول مجلس التعاون الخليجي، يمكننا أن نتوقع أن القوى العاملة ستنمو بنسبة أربعة في المائة سنوياً، وهذا يعني أنه بحلول عام 2020، وهو العام الذي سيُقام فيه معرض اكسبو 2020 دبي، ستحتاج المنطقة إلى أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة لمواطني دول الخليج العربي الذين يدخلون إلى سوق العمل، ونحن نعلم أنه لا يمكننا، ولا ينبغي لنا أن نأمل من حكوماتنا أن تواجه هذا التحدي بمفردها.
ويتمثل الحل الوحيد المستدام في أن تكون لدينا شركات قوية قادرة على خلق الوظائف، واقتصاديات قوية توفر الفرص. فهذه هي المحركات الحقيقية للاستدامة الاجتماعية والاقتصادية، وتأتي المساءلة المؤسسية والثقة التي تخلقها، في صميم هذه العملية التنموية التي نلعب فيها جميعاً دوراً مهماً.