الحوكمة المؤسسية: شؤون عائلية
تعد الشركات العائلية المحرك الأساسي للاقتصاد العالمي، وقد بدأت العديد من كبرى الشركات متعددة الجنسيات أعمالها كشركات عائلية، كما يمكن القول بالمثل بالنسبة لحوالي 90% من الأعمال على مستوى العالم. فيما يتعلق بمنطقة الخليج، تشكل الأعمال العائلية نسبة 80% من إجمالي الناتج المحلي للعالم العربي من المصادر غير النفطية، الأمر الذي يشير إلى أهميتها للحفاظ على بيئة عمل صحية في المنطقة.
قامت معظم الشركات العائلية الخليجية بوضع إجراءات للحوكمة، إلا أن عدد قليل من تلك الشركات قام بوضع هيكل قوي بما يكفي لتحمل ما يطرأ من تغيرات بما في ذلك الانتقال من جيل إلى آخر. إن لكل من الشركات العائلية طابعاً خاصاً، وعليه يجب أن تتسم أطر الحوكمة بالمرونة، بيد أنه هناك بعض التحديات المشتركة بين كافة الشركات والتي تستلزم وضع إطار حوكمة قوي لضمان بقاء الأعمال ونجاحها على المدى البعيد. تعود ملكية وإدارة ما يقرب من ثلاثة أرباع الشركات العائلية إلى الجيل الثاني، الأمر الذي يشير إلى أنه سيتم نقل أصول تزيد قيمتها على تريليون دولار إلى الجيل القادم خلال الخمسة أو العشرة أعوام المقبلة. ومن هذا المنطلق، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الإحصاءات العالمية تشير إلى أن نسبة 15% فقط من الشركات العائلية سوف تتمكن من المحافظة على قيمها إلى ما بعد الجيل الثالث، ينبغي على تلك الشركات اتخاذ إجراءات عاجلة بهذا الشأن.
إذا ما أردنا فهم كيفية عمل الشركات العائلية، يجب علينا أولا فهم المحيط الثقافي الذي تمارس فيه تلك الشركات أعمالها. أولا، غالبا ما تكون العائلات كبيرة في العالم العربي، فقد يصل عدد أفراد العائلة عند الوصول إلى الجيل الثالث إلى عدد مؤلف من ثلاثة أرقام. يؤدي ذلك إلى تشكيل تسلسل هرمي حاد، وبالتالي يتم اتخاذ كافة القرارات، حتى الثانوية منها، من قبل الإدارة العليا. إن هذا التسلسل الذي يشمل القليل من أفراد العائلة الأكبر سناً في الأعلى ويدنوهم أولئك الأصغر سناً ممن يحتاجون إلى التوجيه والإرشاد قد يؤدي إلى حدوث التوتر والضغوط التي من شأنها أن تهدد استقرار الأعمال. فضلاً عن ذلك، اعتمدت أعمال الشركات في المنطقة بشكل تقليدي على الذكور إلا أن البنات والحفيدات في عصرنا الحالي لديهن الرغبة في المشاركة في الأعمال العائلية. ويعد ذلك من التوجهات الإيجابية ولا ريب أنه سوف يمثل قيمة مضافة ويعود بالنفع على الأعمال والعائلة على حد سواء.
على الرغم من احتمال حدوث النزاعات، إلا أن الأعمال العربية لا تتم إدارتها من قبل العائلة فحسب بل تتم إدارتها من أجل العائلة. لذا، يراعى نقل القيم الأخلاقية الجيدة ليس فقط للجيل التالي ولكن أيضا إلى أصحاب المصلحة. وفي هذا السياق، وبالنظر إلى أننا في شهر رمضان الكريم، تعد هذه فرصة مناسبة لإلقاء الضوء على هذا الأمر. فإن شهر رمضان يحث على الالتزام بالفضائل، لا سيما الصدق والأمانة، والتي تعد عماد ممارسات الحوكمة المؤسسية الجيدة. حيث أن التعامل بنزاهة في جميع جوانب الأعمال لا يعود بالنفع على الشركات فحسب بل ويعمل على تشجيع نظيراتها في المنطقة على انتهاج ممارسات أعمال أفضل.
وبينما يعد شهر رمضان من أهم شهور العام بالنسبة للمنطقة، فإن المبادئ والقيم التي يحملها تمثل أساس الحوكمة المؤسسية الناجحة والقيم التي تشكل ثقافة الشركات العائلية. إن نجاح شركات أمتنا العربية وضمان التأمين المستمر لعائلاتنا يكمن فيما هو أبعد من مجرد تحقيق الأرباح، حيث أنه يكمن بصورة أكبر في الحفاظ على ثقافة أعمال عائلية قوية وتطبيق منظومة القيم الراسخة لديها وتقديم الخدمات للمجتمع الذي نشكل جزءاً من نسيجه.