البحث عن قدوة بالقرب من المنزل
فتحت المدارس في الإمارات العربية المتحدة أبوابها لعودة الطلاب هذا الأسبوع لبدء عام دراسي جديد. وإذا ما طلب من أحد الطلاب أن يذكر قدوته ومثله الأعلى، فأغلب الظن أن معظمهم سيذكر أحد أفراد أسرته أو أحد قادة دولتنا الملهمين. وبالمثل، إذا طلب منهم تحديد اسم الفنان الذي يلهمهم سواء كان في مجال الموسيقى أو الثقافة والفنون، فسوف يذكر العديد منهم أسماء مطربين أو كتاب أو موسيقيين من العالم العربي.
ومع ذلك، فلن يكون بالأمر السهل بالنسبة لشبابنا ذكر أسماء قادة الأعمال الذين يضعون معايير مؤسسية جديدة في منطقة الشرق الأوسط. ولا يرجع ذلك إلى انعدامهم، فهم كثر، ولكن يرجع الأمر إلى أنهم نادرا ما يشكلون موضوع دراسات الحالة التي يدرسها طلابنا في مؤسسات التعليم العالي.
بدلا من ذلك، يتعلم طلابنا عن ممارسات الأعمال الخاصة بالشركات العاملة في مناطق أخرى حول العالم. نتيجة لذلك، لا تنطبق معظم النماذج التي يدرسونها على الواقع العملي الذي ينتظرهم بعد تخرجهم من الجامعة.
لا يتعلق هذا الأمر بضيق الأفق أو الاعتزاز بالوطن. فثمة الكثير الذي يمكن للطلاب تعلمه من الشركات الرائدة في اقتصادات أخرى حول العالم. ولكن هناك اختلافات هامة بين الحقائق الثقافية والاجتماعية التي تواجهها الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وتلك التي تواجهها الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. تشتمل هذه الحقائق على سيادة الشركات العائلية، وثقافتنا القائمة على العلاقات، والتوقعات المتباينة من حيث الشفافية وإعداد التقارير العامة. تؤثر هذه العوامل حتما على ثقافة الأعمال وتحديات الحوكمة المؤسسية التي سوف يواجهها الخريجين في حياتهم المهنية.
ومن هذا المنطلق، تحتاج شركات منطقة الشرق الأوسط التي تسعى وراء تحقيق أفضل الممارسات في مجال الحوكمة المؤسسية إلى تطوير حلول مصممة خصيصاً بما يلائم ثقافة المنطقة. تقوم العديد من شركات المنطقة بذلك بالفعل ويحرصون خلال هذه العملية على وضع معايير جديدة للحوكمة والشفافية والمساءلة، إلا أننا بحاجة إلى المزيد من دراسات الحالة حول أعمال محلية بحيث تلقي الضوء على أفضل الممارسات الخاصة بتلك الأعمال.
ونعمل حاليا في مبادرة بيرل على هذا الموضوع. مبادرة بيرل هي مؤسسة تنتمي إلى القطاع الخاص وتم تأسيسها بالشراكة مع مكتب الأمم المتحدة للشراكات حيث تعمل على تعزيز الالتزام بمعايير أعلى من الحوكمة المؤسسية في اقتصادات منطقة الخليج. ومع الأخذ بعين الاعتبار نقص دراسات الحالة حول شركات المنطقة، تعمل مبادرة بيرل على تلبية هذه الحاجة بطريقتين:
أولا: نشر دراسات حالة تعني بتحليل أفضل الممارسات في بعض الشركات في المنطقة. في عام 2012، نشرت مبادرة بيرل تقرير بحثي حول الشفافية والمساءلة والذي ضم ثمان دراسات حالة حول شركات في دول مجلس التعاون الخليجي تطبق حوكمة مؤسسية جيدة. وقد نشرنا هذا التقرير بين مؤسسات الأعمال والمؤسسات التعليمية ليتم استخدامه كمادة علمية في عدد من الجامعات الرائدة. في يونيو 2014، تم نشر تقريرنا الثاني بالشراكة مع منتدى ثروات للشركات العائلية، وقد سلط ذلك التقرير الضوء على نماذج تطبيق الحوكمة الجيدة في الشركات العائلية على وجه التحديد، كما اشتمل على خمس دراسات حالة من شركات المنطقة.
ثانياً: نحرص على مشاركة الطلاب بصورة مباشرة في إعداد دراسات حالة جديدة. ففي عام 2013، قامت مبادرة بيرل وشركائها بعقد المسابقة الأولى لدراسات الحالة للطلاب والتي شارك فيها أكثر من 500 طالب وطالبة من 12 جامعة في المملكة العربية السعودية حيث قاموا بإجراء أبحاث وكتابة وتقديم دراسات حالة حول نماذج تطبيق الحوكمة المؤسسية الجيدة من قبل الشركات المحلية. وقامت مبادرة بيرل هذا العام بعقد المسابقة في الإمارات العربية المتحدة والتي ضمت أكثر من 300 طالب وطالبة من عشر جامعات حيث قدموا أكثر من 100 دراسة حالة. وسوف يتم نشر أفضل خمس دراسات حالة من الإمارات العربية المتحدة في شهر نوفمبر من العام الجاري.
وجدير بالذكر أن هذه المبادرات لن تعود بالنفع على الطلاب فحسب، بل إن نشر دراسات حالة جديدة يقدم لمجتمع الأعمال أدوات عملية قد تنطبق على عملياتهم. فمن خلال عرض ما تقوم به الشركات الأخرى في هذا المجال وكيفية تنفيذها للإجراءات وكذلك النتائج التي تمكنت من تحقيقها، يتوفر للأعمال الأدوات التي ستمكنها من تحسين مستوى ممارساتها بطرق مماثلة.
على الرغم من ذلك، تعد هذه المبادرات جزء من الحل. فيجب علينا جميعاً المشاركة بصورة أكبر في ضمان توثيق ونشر ممارسات أعمال أكثر إيجابية والخاصة بشركات المنطقة. فبداية يتعين على الشركات المشاركة بصورة أكثر فعالية مع القطاع الأكاديمي من أجل المساعدة في تفعيل المفاهيم النظرية مثل الشفافية والمساءلة بصورة عملية. وبالمثل، يتعين على المعلمين تشجيع الطلاب على البحث عن أمثلة ونماذج محلية لعرضها كموضوعات للمناقشة في قاعة الدراسة. أخيراً وليس آخراً، يتعين على الطلاب الذين يرغبون في العمل في مجال الأعمال تذكر أن القدوة المهنية والممارسات المؤسسية الأكثر ابتكاراً قد تكون أقرب إليهم مما يتصورون.
بدر جعفر هو مؤسس مبادرة بيرل والرئيس التنفيذي لشركة الهلال للمشاريع.